لقاء مع د. عزمي بشارة بشأن مآلات الحرب على غزة والمشهد الراهن

عزمي بشارة: المقاومة الفلسطينية أشركت 10% من قدراتها في القتال حتى الآن || مصر لا تستغل ما لديها من نفوذ لكسر حصار غزة || تهجير أهل غزة والضفة لن يحصل من دون سماح مصر والأردن بذلك.

لقاء مع د. عزمي بشارة بشأن مآلات الحرب على غزة والمشهد الراهن

د. عزمي بشارة، خلال الحوار

قال مدير "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، د. عزمي بشارة، خلال حوار أُجري معه عبر "التلفزيون العربي"، بشأن مآلات الحرب على غزة والمشهد الراهن المتعلّق فيها في اليوم الرابع والأربعين للحرب المتواصلة على القطاع المحاصَر، الأحد، إن "السّلوك الإسرائيليّ الحاليّ يشمل بُعدا ثأريًّا بدائيًّا متعطشا للدم، وتلقين الدروس"، لافتا إلى أن "اتخاذ موقع عربيّ جدّيّ وصارم، من شأنه أن يوقف الحرب في قطاع غزة".

وذكر أن "إسرائيل لا تتجرّأ على مواجهة المقاومة تحت الأرض، فتقوم بتدمير المجتمع الفلسطينيّ فوقها". وشدّد على أنّ "قطع الدواء والغذاء عن أهالي قطاع غزة، هو جزء من خطة حربية إسرائيلية لا يجوز التعاون معها".

واستبعد بشارة تحقق أي سيناريو لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة أو الضفة الغربية، طالما أن هناك موقفا رافضا جديا من مصر والأردن.

مخططات التهجير

وبشأن ما يُحكى عن مخططات التهجير، بدءا من أهل غزة وصولا إلى الضفة الغربية، وصف بشارة هذا الاحتمال بـ"الصعب"، لأن ذلك "لن يحصل من دون سماح الإقليم بذلك، مصر ولاحقا الأردن بشكل أساسي"، وإن لم يقلل من خطر ما يفكر به "بعض المهووسين الإسرائيليين" لناحية تخفيف عدد سكان غزة.

ورجّح أن يكون الهدف الحقيقي من وراء شدّة العدوان الإسرائيلي، هو استعادة هيبة الردع التي فقدوها في السابع من أكتوبر والقضاء على حماس وليس التهجير، فالمجتمع الإسرائيلي على حد تعبير بشارة، "يتصرف خلال الأزمات كقبيلة تتوحد بشكل ثأري بدائي، لكي تلقّن الطرف الآخر درسا".

وعما يحصل في الضفة الغربية مع طرد فلسطينيين من منازلهم، شرح بشارة أن المستوطنين هناك يحاولون استغلال ما يحصل في غزة لابتزاز السكان الذين يطمعون في أراضيهم الزراعية ولتهجيرهم، "وهذا لفت انتباه العالم". لكنه جزم بأن "تهجير أهالي الضفة إلى الأردن قضية صعبة الحصول، وبمقدور العرب، مصر والأردن، إفشال مخططات التهجير".

وتطرّق بشارة إلى السلوك المصري تجاه الكارثة الإنسانية في قطاع غزة، وقال: "طالما أن دولة كبيرة مثل مصر تنتظر إذنا من الطرف الآخر لإدخال أو إخراج جرحى ومساعدات، فهي لا تستغل كل ما لديها من نفوذ كأكبر دولة عربية متوقع منها أن تفعل أكثر مما تفعله اليوم". وذكّر بأن "لا أحد في غزة يريد أي مشكلة مع مصر، الجار العربي الوحيد لهم".

ووفق رأي بشارة، فإن من نقاط قوة مصر، أن "إسرائيل وأميركا كلاهما بحاجة إليها ولن يفتحا حربا ضدها" في حال قررت إدخال الشاحنات بقرار سيادي منها، من دون نسيان أن مصر مدعومة بتعهد من 58 دولة (عربية ومسلمة)، في إشارة إلى مقررات قمة 11 تشرين الثاني/ نوفمبر العربية ــ الإسلامية المشتركة في الرياض.

أما سياسيا، فكرر بشارة ما سبق له قوله عن أن "ما يحصل في القطاع يحتاج إلى موقف عربي فيه خطوات تأخذها إسرائيل بجدية مثل قطع العلاقات وأمور استراتيجية أخرى".

في مقابل ما هو مطلوب عربيا، توقف بشارة عند حقيقة أن بعض الدول العربية تمنع رفع العلم الفلسطيني، وهو ما لا يحصل في إسرائيل حتى، وتمنع أي تظاهرة تضامن مع الفلسطينيين.

وفي حين استعرض مبرر بعض البلدان العربية في ما يتعلق باتخاذ موقف سلبي تجاه القضية الفلسطينية، بأنه يتصل بالعلاقات مع أميركا وبعدم الرغبة في مشاكسة الموقف الغربي، حذّر بشارة من أن "ما يجب أن يفهمه الحكام العرب أن مصلحتهم ومصلحة الأمن الوطني لبلدانهم تفرض عليهم اتخاذ الموقف الصحيح اليوم من إسرائيل وإلى جانب الفلسطينيين".

لا خلاف جديا بين أميركا وإسرائيل

وأصرّ بشارة أن لا خلاف جديا بين أميركا وإسرائيل حتى الآن. وقد أقر بوجود ما سماها "خلافات تفصيلية" مثل المدى الذي من الممكن أن تصل إليه إسرائيل في حربها، لكنه وصف كل ذلك بأنها "طلبات وتمنيات بلا إدانة ولا موقف"، بدليل ما ورد في مقال الرئيس الأميركي، جو بايدن في صحيفة "واشنطن بوسط" قبل أيام.

ووصف الحديث الأميركي عن "إعادة تجديد القيادة الفلسطينية" لتحكم غزة يوما ما بأنه يندرج في إطار "الوعد بأمر جديد"، وكأن المشكلة في فلسطين تكمن في تغيير القيادة في الضفة وليس الاحتلال والعدوان والاستيطان.

وسخر بشارة من واقع أن بايدن وإسرائيل يريان أن الرئيس محمود عباس متشدد في بعض المواقف (حدود الرابع من حزيران والقدس) ويريدان منه تقديم تنازلات أكثر. ونبّه من أن بايدن يتحدث عن حل الدولتين "في إطار الرأي الشخصي" وليس كسياسة أميركية ملزمة، لذلك "كل الثرثرة اليوم عن حل الدولتين هو بيع كلام رخيص لأن الموضوع اليوم ليس أي أمر غير وقف الحرب على غزة" على حد تعبير المفكر العربي عزمي بشارة الذي لاحظ أنّ "حتى هذا الكلام غير الملزم لا توافق عليه إسرائيل لأنها تفضل أن تجد مليشيا تحكم قطاع غزة بدل أن تكون هناك سلطة واحدة تحكم الضفة وغزة".

ولفت بشارة إلى أنه "إذا استمر هذا اللاموقف العربي إزاء ما يحصل، فستشعر إسرائيل بعد انتهاء الحرب أنها غير ملزمة بتقديم أي شيء نهائيا للعرب".

وبرأيه، فإنّ سلوك السلطة الفلسطينية يُظهرها كأنها عدوة نفسها مع أنها تعرف حجم المؤامرة الإسرائيلية عليها وأن الدور آتٍ عليها. وفي هذا السياق، تساءل: "هل يعقل أن أول اتصال تجريه السلطة بحركة حماس يحصل بعد 40 يوما من بدء العدوان؟".

وسرد بشارة أمثلة على ما يسميها رداءة مواقف السلطة منها أن ممثليها ومؤسساتها لم يتوجهوا حتى اليوم إلى معبر رفح في إطار الضغط لفتحه.

وفيما ذكر بشارة أن المقاومة لم تشرك سوى عشرة في المائة من قدراتها حتى الآن في القتال، رأى في المقابل أن الأمن الوطني لكل بلد عربي يفرض على الأنظمة اتخاذ الموقف الصحيح اليوم من إسرائيل وإلى جانب الفلسطينيين. وأعرب عن اعتقاده بأن مصر لا تستغل ما لديها من نفوذ لكسر حصار غزة.

وتوقع أن تزداد ضراوة هذه المقاومة عندما يتجرأ الاحتلال على النزول إلى حيث هي، أي "تحت الأرض" في الأنفاق.

ورأى أن إفراغ إسرائيل المناطق والمنشآت من سكانها سيرتد عليها، لأن ذلك يزيد ضراوة أعمال المقاومة، ذلك أنه "بعدما تنتهي إسرائيل من المهمة السهلة، أي قتل المدنيين، يبدأون مواجهة المقاومة الشرسة" مثلما حصل أخيرا في مستشفى الرنتيسي وأماكن رئيسية في شمال غزة أُفرغت من سكانها وتتركز أعمال المقاومة هناك حاليا.

وكرَّر بشارة الإفصاح عن قناعته بأن القدرة الإسرائيلية على تحمل الخسائر ليست غير محدودة، لكنهم قادرون على تحمل المزيد حتى الآن طالما أن الإجماع الداخلي على الحرب لا يزال موجودا، وطالما أن الدعم الأميركي لا يزال متوفرا. وقارن ما بين قدرتهم على تحمل الخسائر بين قطاع غزة وحرب لبنان 2006، ففي هذا البلد قدرة تحمل الخسائر "محدودة لأن لا إجماع إسرائيليا على احتلال لبنان على عكس حال غزة".

وأكّد بشارة على أن "الناس اليوم أكثر ميلا لتصديق سردية المقاومة لذلك عليها سردها بتفصيل أكثر". ومن بين ما يجب تشريحه بحسب مدير المركز العربي، ما حصل بالتفصيل في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.

وأضاف أنه "نظرا إلى حجم ما حصل منذ ذلك اليوم إلى الآن، قد تبدو العودة إلى أحداث 7 أكتوبر تفصيلا وغير مناسبة ربما، لكن نشر إسرائيل نفسها بعض ما حصل في ذلك اليوم يوفر توقيتا مناسبا للمقاومة، لكي تقدم روايتها" لتلك الأحداث.

وفي الصدّد ذاته، أوضح بشارة أن بعض المؤسسات الإعلامية الدولية تحاول حفظ ماء الوجه حاليا، مثل "بي بي سي" و"سي إن إن" لاستدراك ترويجها للأكاذيب الإسرائيلية، مشددا على أن "هذه معركة إعلامية يجب أن تخاض بلا هوادة من أجل الحقيقة وكشف الأكاذيب".

وقال بشارة ردا على سؤال بشأن عدم اتعاظ إسرائيل من دروس التاريخ لتدرك عدم جدوى الضغط على البيئة الشعبية لكي تتخلى عن المقاومة، إن الاستعمار الاستيطاني الإحلالي ينتج مفاهيم شبيهة بمنطق حكام إسرائيل أن الفلسطينيين "حيوانات بشرية"، وهذا منطق "يمنعهم من التفكير بعقلانية لإدراك أن الحل السياسي هو الحل الوحيد مع الفلسطينيين أصحاب الأرض الحقيقيين".

وأشار إلى أن هؤلاء، في حال أبرموا سلاما مع إسرائيل، يكونون هم من تنازلوا وليس إسرائيل.

وخلص في هذا الإطار إلى أن "هذه المقاومة الفلسطينية التي يريدون القضاء عليها ولا يجرؤون على النزول إلى حيث هي تحت الأرض، سيكونون مجانين لو رفضوا لاحقا محاورتها سياسيا".

"متلازمة المستشفيات"

وخلص بشارة إلى أنه أصبح لدى الاحتلال ما يمكن تسميتها "متلازمة المستشفيات" في قصفها وقتل المرضى، وصولا إلى إخلائها وهذا أمر غير مسبوق في وحشية استهداف المستشفيات.

وذكّر مجددا بفداحة الكذب الإسرائيلي الذي فُضح في ما يتعلق بالأنفاق والتجهيزات العسكرية في المستشفيات، لكنه استدرك بأنه "حتى ولو كان هناك مقاتلون في المستشفيات، وهو ما لم تظهر صحته، ممنوع قصف المستشفيات".

وذكر أن فضيحة استهداف المرافق الصحية "فضيحة برسم المجتمع الدولي وليس لإسرائيل فحسب".

وأصرّ بشارة على أنه "طالما أن هناك ضوء أخضر أميركي وإجماع إسرائيلي على الحرب وغياب أي خطوات عربية جدية، فيجب علينا توقع الأسوأ".

صفقة الأسرى

واستبعد بشارة في معرض حديثه عن بعض تفاصيل مفاوضات تبادل الأسرى بين المقاومة والاحتلال بوساطة قطرية، أولا وجود هذا الكم الذي يُحكى عنه أحيانا من الخلافات بين المسؤولين الإسرائيليين في كل ما يتعلق بالحرب، ذلك أن الجنرالات يضعون خطة الحرب وهم ماضون فيها ومتفقون عليها وهو ما يسري على مفاوضات "صفقة الأسرى"، كذلك فإن جميعهم متفقون على أن الطريقة الأمثل لتحرير الأسرى والرهائن الإسرائيليين هي الضغط العسكري الإضافي على حماس، وهو ما وصفه بـ"التدمير الانتقامي القبلي البدائي" للمجتمع الفلسطيني لكي يشكل ذلك ضغطا على حماس، وهذا أحد تعريفات الإرهاب.

وكشف أن الجنرالات لا يزالون يرفضون عدد أيام وقف إطلاق النار الذي تطالب به "حماس"، ولا يزالون غير مصدقين أن "حماس" تدرك مكان احتجاز خمسين مدنيا إسرائيليا فقط في القطاع.

وأعرب بشارة عن تمنيه وتوقعه أن تنتهي هذه الصفقة " اليوم أو غدا". كما كشف أن الإسرائيليين تخلوا عن أصحاب الجنسيات المزدوجة وأوضح أن "حماس" تطلق سراح هؤلاء "بمبادرة منها".

وجدد أن الأسرى الإسرائيليين "ليسوا أولوية لحكومة نتنياهو"، منها أن "حماس" حذرتهم مرارا من أن بعض هؤلاء الأسرى يلقون حتفهم.

وشدد على أن عدم إيلاء الأسرى الإسرائيليين الأولوية لحكومات تل أبيب "ليس أمرا جديدا، والتاريخ يقدم لنا أمثلة عديدة على ذلك".

وختم رده على سؤال يتعلق بمفاوضات صفقة التبادل بأن المطروح حاليا هو أن "حماس" تدرك مكان وجود خمسين أسيرا ورهينة في غزة، وهي تعرض وقف إطلاق نار لعدد أيام كاف لجمعهم في مكان واحد وتأمين نقلهم لتسليمهم للسلطات الإسرائيلية مقابل إطلاق سراح الأطفال والنساء الفلسطينيين الأسرى، ومقابل إدخال المعونات بشكل كاف ويتجاوز الـ150 شاحنة ووقود وغاز كافية لتشغيل القطاعات الحيوية، "والقرار في الملعب الإسرائيلي لرفضه أو الموافقة عليه".

وكان بشارة قد أعرب خلال حوار أُجري معه في الثاني عشر من الشهر الجاري، عن ثقته بأن الإسرائيليين يدركون أنهم عاجزون عن البقاء في غزة، لافتا إلى أن إسرائيل لم تكن لديها أي خطة لـ"اليوم التالي" أي لما بعد القضاء على حركة "حماس" في حال نجحت في ذلك.

وتوقّع بشارة في اللقاء ذاته، أن تواجه إسرائيل المزيد من المقاومة المسلحة في قطاع غزة، مرجّحا أن يكون أمام إسرائيل مهلة أميركية لا تتجاوز الشهر لـ"تنفيذ المهمة".

وفي ما يتعلّق بتبدّل الأولويات العسكرية الإسرائيلية من التركيز على شمال القطاع ثم الانتقال إلى الجنوب، أوضح بشارة أنه بعدما حصل في 7 تشرين الأول/ أكتوبر كان المسؤولون الإسرائيليون مضطرين لوضع خطة عسكرية وراحوا يلائمون الوقائع لتتوافق مع الخطة التي وُضعت على عجل.

وأشار إلى أنه "إما أن هناك مخططا لتهجير سكان غزة من الشمال إلى الجنوب ومن هناك إلى سيناء، أو أن هذا انعكاس للارتباك الإسرائيلي وهذا أمر وارد جدا". وشدّد بشارة على أن الأميركيين لا يزالون يشتركون مع إسرائيل في أهدافها من الحرب

التعليقات